حمامة بيكاسو

تأليف: 

ترجمة: 

     "حمامة السلام البيضاء" التي رسمها بيكاسو عام 1949، وتم تعديلها من قبله مرات عديدة بأشكال مختلفة، هي واحدة من أشهر وأهم الرموز العالمية المعروفة.

     رسمها بيكاسو لتصبح شعارا للمؤتمر العالمي لمناصري السلام  الذي أنعقد بتاريخ 20 ولغاية 25 نيسان من عام 1949 في باريس وبراغ!.

      يتذكر إيليا إيرينبورغ، الكاتب والشاعر الروسي الشهير، موقف بابلو بيكاسو، الشيوعي من تلك الحمامة:

     "كنا نتناول طعام الغداء في مرسمه في يوم افتتاح مؤتمر السلام في باريس. رزقت زوجته، في ذلك اليوم بطفلة سماها "بالوما" وتعني بالاسبانية:"حمامة" . كنا حينها ثلاثة. أنا وبيكاسو وبول إيلوار. تحدثنا في البداية عن الحمام وقص علينا بيكاسو كيف كان والده الرسام، يرسم الحمام كثيرا، ويترك له انهاء اللوحة برسم ساقيها اللتين ملّ من رسمها. ومن ثم تحدثنا عن الحمام بشكل عام. كان بيكاسو يحب الحمام وكان لديه في البيت عدد كبير منها؛ وقال لنا وهو يضحك:إن الحمام طيور بخيلة وتحب الشجار، ولا أفهم لماذا صُنفت على أنها شعار السلام!! وبعد ذلك راح يحدثنا عن حماماته، وعرض علينا مئات الرسومات خاصة بالملصقات-كان يعلم أن حمامته ستجوب طائرة في كل العالم!".


     كرر الفنان، عام 1950 في مدينة شيفيلد، بأن والده، هو من علمه رسم الحمام، وقال ايضا:"أنا مع الحياة ضد الموت، ومع السلام ضد الحروب".

     رسم بيكاسو أشكال عديدة لحمامة السلام، وأختيرت حمامة لمؤتمر مؤيدي السلام في باريس، من قبل الشاعر والروائي الشهير لوي أراغون، تختلف كثيرا عن النموذج الذي عرفه كل العالم فيما بعد. وكانت هذه الحمامة لوحة تصور حمامة جاثمة على الأرض(غير طائرة)، ومن دون سعفة زيتون في منقارها، ويغطي الريش ساقيها!. وكانت تلك الحمامة، هدية من الفنان الفرنسي الشهير هنري ماتيس. وإليكم بالتفصيل ماتحدث عنه فرانسوا جيلو عن تلك اللوحة:" كانت توجد في أقفاص ماتيس، طيور غريبة وعديدة، بينها أربعة حمامات كبيرة من ميلانو. كانت تلك تختلف عن معظم الحمامات بريشها الكثيف على الساقيين، وتبدو كأنها تلبس حذاء رياضيا أبيض اللون!. قال ماتيس لبيكاسو مرة:"يجب منحك هذه الطيور، لأنها تذكرنا بالحمامات التي سبق ورسمتها أنت". أخذنا الحمامات إلى مدينة فاللوريس. احدى تلك الحمامات قيض لها أن تنال نجاحا فنيا وسياسيا رائعا. في بداية عام 1949 رسمها بيكاسو وجعلها نموذجا لطباعة حجرية مسطحة وحقق نجاحا فنيا مميزا. من المعروف أن الحصول على اللون الاسود الغامق في الطباعة المسطحة، سهل إلى حد كبير، ولأن الالوان في الطباعة الحجرية المسطحة تحتوي على الشمع، لذلك فحين يُضاف الماء للحصول على اللون الرمادي الفاتح فأنها تتوزع على الحجر بشكل غير منتظم. وتصبح مرقشة كجلد الضفدعة. إلا أن بيكاسو تمكن من إيجاد خليط يترك انطباع لون رمادي مظلل شفاف جدا ومدهش. بعد شهر تقريبا، جاءه إلى مرسمه، لويس أراغون"العمود الفقري للحزب الشيوعي الفرنسي"، لاستلام تصميم وعده به بيكاسو، يروج لمؤتمر مناصري السلام العالمي الذي نظمه الحزب الشيوعي الفرنسي. شاهد أراغون تلك الحمامة وهو يتصفح ملف يحوي مجموعة كبيرة من  الرسومات، فعجبته جدا، وفكر في جعلها شعارا للمؤتمر، ووافق بيكاسو. وفي نهاية اليوم، بدأت تعلق الملصقات التي تحمل رسم الحمامة على جدران باريس.

 


     بعد مضي وقت قصير، علق بيكاسو على اختيار آراغون للتلك الحمامة:" مسكين أراغون، أنه لا يعرف الحمام اطلاقا! رقة الحمام: ياله من هراء! أن الحمام عنيف جدا. كان لدي سرب من الحمام، قام هذا السرب بتعذيب حمامة أدت بالمسكينة إلى الوفاة لمجرد أنها لم تعجبهم! كان ينقرون عينيها ومن ثم قطعوها إلى أجزاء. ياله من مشهد رهيب!! ياله من رمز للسلام!!"     

   أخذ آراغون رسم الحمامة ظهرا، وفي الساعة الخامسة مساء، عُلق الملصق وعليه رسم الحمامة على معظم جدران باريس. على الأغلب، لم يكن بيكاسو ذاته يدري، أي قوة لحمامته، إلا عندما شاهد صورتها كبيرة معلقة في الصالة التي أُقيم فيها المؤتمر.

 


وكتب أحد متابعي سيرة بيكاسو:"استخدام الحمامة لأهداف سياسية، لم يقلل من كمال صورتها التي رسمها بيكاسو. في خريف نفس العام، منحته أكاديمية الفنون الجميلة في فيلاديلفيا جائزتها المعروفة.