اللحية

تأليف: 

يحكي ان شيخا، (وفي رواية اخرى قسا) كانت لحيته البيضاء الناصعة  تزين صدره، وكانت تتحرك بشكل مثير للإعجاب كلما تكلم او حتى مضغ طعامه حيث كان يتهيأ للناظر ان اللحية تشكل للكلام وللطعام أجنحة، وكان الشيخ (القس) يحظى باحترام جمهور المؤمنين في المنطقة ويعيش بهناء وراحة بال إلى ان جاء ذلك اليوم واقترب منه بعد خطبة الجمعة (عظة الأحد) شاب يبدو حديث الايمان لأنه يراه لأول مرة، فظن للوهلة الأولى ان هذا الشاب يريد ان ينهل علما من معينه الديني وجهز نفسه لكي يجيب على الاسئلة المعتادة التي يطرحها عليه عادة محدثي الايمان، ولكن الشاب بعد التحية وتقبيل اليدين  فاجأه بسؤال لم يخطر له على بال، حيث سأله:

- يا شيخنا (يا ابونا) عندما تنام هل تضع لحيتك تحت اللحاف ام فوق اللحاف.

ورغم الدهشة التي ارتسمت للحظات على وجه الشيخ (القس)  فانه لم يستطع ان يتمالك نفسه عن الضحك  فقهقه طويلا:

- هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه.. اقول الصدق يا ولدي، لم افكر يوما بهذا السؤال ولم انتبه أين اضع لحيتي حين أنام.. تحت اللحاف ام فوقه.. لقد اثرت فضولي فعلا.

ثم سأله عن اسمه وعنوانه ووعده بزيارة يثبِت له خلالها ايمانه اكثر، فشكره الشاب على رحابة صدره وانصرف، اما الشيخ (القس) فقد انتظر الليل على احر من الجمر، لكي يعرف الاجابة على هذا السؤال، وعندما دس نفسه في الفراش وضع لحيته فوق اللحاف، ففكر في نفسه: (فوق اللحاف اذا) ولكنه لم يشعر بالراحة لأن لحيته فوق اللحاف ففكر قائلا: (لا ليس فوق اللحاف.. يبدو انني اضعها تحت اللحاف) وهكذا نقلها الى هناك ولكنه شعر وكأن جبا من البلان الشائك يقبع على صدره فاكتشف انه لا يضعها تحت اللحاف ايضا  وأعادها الى فوق اللحاف فتولد لديه شعور قوي بان يدين قاسيتين  تطبقان على رقبته، مما اضطره لإعادتها الى تحت اللحاف فعادت اليه معاناته مع جب البلان الذي اصبح اكبر وشائكا اكثر، فاعاد اللحية الى فوق اللحاف ولكن دون جدوى، وتساءل بيأس في نهاية المطاف: ( يا الهي اين كنت اضع لحيتي قبل هذا اليوم، تحت اللحاف ام فوقه؟) وفي نهاية المطاف وجد نفسه يقذف باللحاف بعيدا عنه بكلتا رجليه، ولو كان بيده سلاح لأفرغ مخزنا ببطن ذلك اللحاف، وظن انه بهذا الشكل تخلص من المأساة التي قضت مضجعه، ولكنه تحت تأثير البرد وجد نفسه يسحب اللحاف المرمي عند اسفل قدميه ويغطي كتفيه، غير انه سرعان ما احس بثقل ذقنه فوق اللحاف، ثم شوكيتها تحت اللحاف ثم رمى اللحاف، وبعد ان اشعل سيجارة لأول مرة في حياته لم ينتبه لنفسه إلا وهو يقف امام المرآة ويحلق ذقنه بحقد لم يشعر به من قبل الا على ابليس، الذي اصبح يتخيله بصورة ذلك الشاب الذي وجه اليه ذلك السؤال الذي اعتقد في البداية  أنه مثير للضحك، ولأنه يعرف انه بدون لحية سيتحول الى مادة لتندر المؤمنين فقد قرر الرحيل قبل بزوغ ذلك الفجر، لكي لا يرى جمهور المؤمنين وجهه الذي تملؤه الجروح، ولكنه قبل ان يغادر لم ينس ان يقرع باب ذلك الشاب الذي فتح ولا تزال عيناه ملوثتان بالنعاس،  ليجد شخصا غريبا في الباب يبصق في وجهه بكل ما اوتي من لعاب قائلا بكل ما اوتي من حقد وحزن اجتمعا في صوته معا:

- تفو عليك يا ابليس يا ابن الأبالسة.. حلت عليك اللعنة اينما حللت.

ثم ينصرف قبل ان يتمكن الشاب من  مسح وجهه وقراءة ملامحه، ويقال انه شوهد في دولة اجنبية يعمل على سيخ شاورما.

(تم اعدادها عن طرفة من التراث الشعبي)