هي تونس بعد عام على ثورتها التي أشعلت بشرارتها ميدان التحرير في القاهرة وساحة الحرية في طرابلس الغرب وشارع الستين في صنعاء وطال لهيبها درعا في بلاد الشام والمنامة في خليج العرب والحبل على الجرار كما تقول الشعوب ( بإذن المولى عز وجل ) و ( لا سمح ولا قدر ) يقول الزعماء وحواشيهم .
بعد عام على الثورة التي باتت رحما خصبا لثورات عرب خدرتهم شعارات قومية وثورية ووثنية لعقود طويلة ، بعد عام ها أنا في تونس مجددا ولم يتغير الكثير فالوجوه نفسها والشوارع نفسها وأهل تونس على حالهم ، ولكن الاهتمامات والأولويات تبدلت على ما يبدو ، وأحلام ثورة الحرية يبدو انها انكفأت قليلا فها هو السائق والتاكسي على حالهما ، لكن قليلا من التجاعيد قد غزت جسد التاكسي وبدا لي انها لن تصمد للقائي في العام القادم فاقترحت على امجد ان يخضعها لعملية تجميل . امجد على حاله ايضا ينتقى العبارات بلغة ممزوجة ما بين العربية والفرنسية في محاولة ليبرر لي لماذا توقف النزق الثوري في تونس ولماذا لم يعد غاضبا كما كان في العام الماضي عندما كان يردد صبيحة كل يوم على مسامعي سنغير تاريخ تونس ونصنع مستقبلها ، لن نخرج من الساحات ولا من شارع الحبيب بورقيبة إلا الى فضاءات الحرية وسنكون أساتذة لإخواننا العرب في كيفية بناء بلد ديمقراطي حضاري على انقاض نظام بن علي العفن ، نعم لم يتغير امجد بالشكل خلال عام لكن مضمونه تغير ورائحة الثورة التي كنت تفوح من جلده تغيرت وعيناه فقدتا بريقهما الثوري ، ذلك البريق الثوري الذي كنت اراه في بيروت ثمانينيات القرن الماضي .
بدا امجد وكأنه يعيد حساباته وينتقي كلماته واحدة تلوى الاخرى ، حرفا حرفا ، لكن خيبة أمله من مشهد غرق التونسيين في بحر الشعارات الانتخابية لم يستطع ان يخفيه فبدا وكأنه يتعثر بكلماته من كثرة محاولات التبرير التي لم تمكنه من اقناعي ان تونس فعلا تغيرت ودفنت كل بقايا نظام بن علي ... قمنا بجولة تصوير على عدة اماكن كنت قد زرتها خلال ربيع الثورة التونسية بصحبة امجد وكنت اتعمد بعد كل موقع ان اطرح مقارنة لما كان عليه المشهد العام الماضي وما هو عليه اليوم في المكان نفسه .